تعرف الزهرة بتوأم الأرض لأنهما متماثلان في الحجم تقريباً، والزُهرة ألمع الكواكب وأشدها تألقاً وتعرف بنجمة الصباح والمساء لأنها تظهر في المساء بصورة جلية بعد الغروب، كما تظهر كذلك آخر الليل قبل الفجر.
واللفظ مشتق من زهر بمعنى أضاء، وقد اهتم القدماء اهتماماً شديداً بالزُهرة وعبدوها وعرفت باسم عشتروت وعشتر Aster وفينوس Venus، وكانت ضمن الثالوث المعبود في كثير من البلدان، مثل بابل، وعند الكلدانيين، وعند الآشوريين في العراق، وعند الكنعانيين في سوريا ولبنان وفلسطين، وعبدها الإسرائيليون عندما زاغوا وعبدوا الأوثان تأثراً بالأمم الأخرى التي عاشوا بينها، والثالوث المعبود هو الشمس والقمر والزهرة، وقد عُبد هذا الثالوث في أماكن كثيرة من العراق إلى اليمن، وفي حضارات مختلفة.
وفي اللغة الأكادية يطلق على الزُهرة اسم دلبت، وعند المصريين بونو بمعنى طائر، وباسم نجمة الصباح "تيوير نوتيري" ونجمة المساء "أويتي" أو "بنّو" وفي الفارسية ناهيد وفي العبرية ملكت هاشمايم أي ملكة السماء، وعبدها اليونان والرومان، وجعلوها إلهة الحب "فينوس" ولها عندهم أسماء أخرى كثيرة. وقد عرفت لدى الكثير من الأمم باسم نجمة الصباح ونجمة المساء
الزهرة في الطب:
تُسمى الكمية المتجمعة من الدهن فوق العانة والجهاز التناسلي الخارجي في المرأة "جبل الزهرة" mons veneris على اعتبار أن الفرج والشفران الكبيران والصغيران يمثلان الزهرة ذاتها.
وهذه التسميات قديمة منذ عهد اليونان وجالينوس، وهــــو يوضح ارتباط الزُهرة بالجهاز التنــــاسلي للمرأة. ومنها ظهرت تســـمية الأمراض الزُهرية Venereal Diseases أي الأمراض المتعلقة بالعلاقات الجنســـــية، وقد تم تجاهل هذا الاســــــم في الربـــع الأخير من القرن العشرين، وأطلق عليها اسم الأمراض الجنسية Sexnally transmitted Diseases والأمراض الزُهرية الجنسية كثيرة جداً، وتقول المصادر الطبية: إن الأمراض الناتجة عن طريق الجنس هي أكثر الأمراض المعدية انتشاراً في العالم اليوم، ويزداد عدد المصابين بهذه الأمراض باطراد، فعدد المصابين بالسيلان "الجونوريا" Gonoyyhea، كما تقدره منظمة الصحة العالمية أكثر من مائتي مليون شخص كل عام، كما أن المصابين بالكلاميديا والتهاب مجرى البول الجنسي من غير السيلان قد وصلوا إلى خمسمائة مليون شخص كل عام.
وعدد المصابين بالزُهري يفوق خمسين مليون شخص كل عام، وعدد الذين لاقوا حتفهم بسبب مرض الأيدز منذ ظهوره عام 1981، وحتى الآن قد تجاوز أربعين مليوناً، وهناك الملايين الذين يصابون بهذا المرض الخطير كل عام، وهناك الملايين الذين يعانون من هربس التناسل، وتشهد أفريقيا تحت الإستوائية وباء الأيدز المنتشر بصورة خطيرة جداً بالإضافة إلى الأمراض الزُهرية المعروفة، مثل السيلان والقرحة الرخوة Chancroid والورم المغبني الجيبي Granuloma lnguinale والــــــــورم البلغــــــمي الجيبي الزُهري Lympho granuloma Venereum بالإضافة إلى الثاليل الجنسية Genital warts والجرب Scabies وخاصة في منطقة العانة، والقمل العاني، وأضيفت إلى القائمة طفيليات الترايكومونس Trichomonos وفطريات الكانديدا candidiasis والميكروبات السبحية من فصيلة "B" Streptococci وميكروبات هيموفيلس المهبلية Hemophilus Vaginalis.
ولم تعد هذه الأمراض تصيب الجهاز التناسلي فحسب، وإنما نتيجة للشذوذ الجنسي فإن الشرج والقناة الشرجية هي مرتع لكثير من هذه الأمراض، بل وجدت ميكروبات السيلان في الفم وفي الحلق وعلى اللوز نتيجة أنواع الشذوذ، كما قد يصاب المواليد، وخاصة في عيونهم عند الولادة ومرورهم من المهبل المصاب بالكلاميد أو السيلان، كما أن هناك أمراضاً زهرية جنسية تصيب المواليد بسبب انتقال بعض الميكروبات والفيروسات من الأم الحامل إلى جنينها وأشهر هذه الأمراض الأيدز فيروس نقص المناعة، والزهري الولادي.
هذا بالإضافة إلى إصابة ملايين الأطفال في العالم بالأمراض الجنسية بسبب الاعتداءات الجنسية التي تبدأ من سن مبكرة جداً. وهي جريمة بشعة بكل المقاييس.
وبعض هذه الأمراض الزهرية الجنسية معروف وموصوف منذ عهد جالينوس مثل السيلان، وبعضها لم يكن معروفاً مثل مرض الزهري السيفلس Syphilis الذي كان مجهولاً في العالم القديم أوروبا وآسيا وأفريقي، وانتقل بعد اكتشاف الأمريكتين إلى أوروبا، وقد ظهر الزهري في أوروبا لأول مرة بعد الحرب الإيطالية الفرنسية عام 1494م وأسماه الفرنسيون الداء الإيطالي، وأطلق عليه الإيطاليون الداء الفرنسي، بل وأطلق عليه داء لويس لإصابة أحد ملوك فرنسا به، وبما أن الزهري كان يسبب سقوط الشعر في مرحلته الثانية، فقد انتشرت الباروكة شعر الرأس في أوروبا منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، ولبسها الملوك واللوردات والقضاة والمحامون..الخ. وذلك لتغطية التآكل البشع في شعر الرأس.
وقد أصيب عدد كبير من ملوك وأساقفة أوروبا بهذا الداء العضال، من أشهرهم الكاردينال ريشيليو رجل فرنسا القوي بالإضافة إلى الملك لويس، كما أصيب به نابليون، وآخر المشاهير الذين أصيبوا به وماتوا بسببه لينين قائد الثورة البلشفية.
وعندما غزا الأوروبيون الشام سوريا الكبرى نقلوا معهم هذا المرض الخبيث وعرفه العرب باسم "الداء الفرنجي".
وقد استمر هذا الداء يفتك بالمصابين به بعد أن يعذبهم دهراً طويلاً يستمر لعدة عقود قبل أن يقضي على المصاب به، ولم يكن له علاج ناجع لمدة أربعة قرون منذ 1494 وحتى عام 1946 عندما بدأ استخدام البنسلين الذي يعتبر علاجاً نافعاً وناجعاً لهذا المرض الخبيث، ولكن بما أن المرض يتخفى بأشكال متعددة ويصعب أحياناً تشخيصه إلا في مراحل متأخرة فإن ضحاياه استمروا في الظهور إلى يومنا هذا، ويقول الدكتور آريا في كتابه الأمراض الجنسية في المناطق الاستوائية :"إن الزُهري بجميع مراحله لا يزال منتشراً في المناطق الإستوائية "في أفريقيا"، وفي منطقة شرق آسيا فإن عدد الحالات قد انخفض بالنسبة لما كان عليه في الأربعينيات والخمسينيات من هذا القرن" أي القرن العشرين.